الرفق بالزوجة والأم في الإسلام

المشقة التي عبَّر عنها القرآن بالكُره: (حملته أمه كُرهاً ووضعته كُرهاً)، والكُره ليس معناه أنها تكرهه، لكن معناه المشقة، فالمشقة … (وهن على وهن)، يعني هذا الوضع الذي تتحمَّل المرأة من أجل أن تصنع الأجيال المقبلة هذا الرجل لم يتعرَّض إليه أبداً، فهو غير مُعد لمثل هذا العمل ولا يستطيع أن يتحمَّل، وليس لديه من العاطفة والأعصاب التي يستطيع بها أن يتحمَّل بها كل هذه المصاعب التي تمر بها المرأة، فمن هذه الناحية بطبيعة الحال التفضيل هو تفضيل للمرأة، ولذلك الرجل هو قوَّام عليها يعني قائم على خدمتها وقائم على رعايتها، خاصةً أن كثير من الناس مع الأسف لا ينتبهون أن الله لم يقل في الآية أن الأزواج قوَّامون على الزوجات، بل قال: ]الرجال قوَّامون على النساء[، يعني أي رجل في الأسرة وليس مجرد الزوج، فكل الرجال مسؤولين عن كل النساء في الأسرة، وهذه مسؤولية واضحة جداً لا يجوز التنصُّل منها، فهي مسؤولية على الأب ومسؤولية على الأخ ومسؤولية على الابن ومسؤولية على الزوج، لكن موضوع القوامة هذا من قِبَل رجال الأسرة تجاه نسائها من أجل رعايتهن والقيام بشؤونهن، وهذا في حد ذاته موضوع مهم جداً لأن هذا يضمن الاستقرار في هذه الأسرة بحيث أن المرأة ليست في حاجة إلى أن تقوم بالأعمال الشاقة من أجل أن تكتسب عيشها وتعيش، لأن هنالك من هو ملزم بإعالتها، لكن هذا لا يعني أن هي لا تعمل، لا بل هي تعمل حينما ترى أنها تستطيع أن تعمل، لكن الرجال مكلَّفون برعايتها، كلهم وليس الأزواج فقط.
****
سؤال: بالنسبة لموضوع آخر تكلمنا فيه، وهو ضرب المرأة أو الزوجات، فقد ذكرتم أن القصاص عليه.
لو ضربها فالقصاص أن يُضرب، فالمعاقبة بالمثل، فمعنى القصاص هو المعاقبة بالمثل، فإذا ذهب إلى القاضي، فالقاضي يجعلها تضربه أمامه بالمثل، هذا هو القصاص.
****
سؤال: أنا لا أعرف إذا كان هو قصد حضرتك أن القصاص يكون في حالة معينة، وهي المعروفة، وهل لذلك لا يُسأل الرجل فيمَ ضرب زوجته ؟
طبعاً، هو لا يُسأل لسبب الستـر، لأن النبي وضحها في خطبة الوداع، وطبعاً الكلام الذي في خطبة الوداع هو آخر شيء، ولذلك هو يَجُبُّ أي مفهوم خاطئ مما قبله، فالفقهاء يقولون على ما يسمونه النسخ، والنسخ هو نسخ المفهوم الخاطئ وليس نسخ النص، النصوص لا تُنسخ خاصةً الأخبار، فالخبر لا يُنسخ، الخبر هو خبر قد حدث، والنبي وضَّح ذلك بخطبة الـوداع من أجـل إزالـة أي التبـاس، فقـال: (( إنهن عوانٍ عندكم … إلى آخره، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبيِّنة، [ومبيِّنة يعني عليها برهان، أو فيها بيِّنة]، فإن فعلنَّ فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ))، فإذن في هذه الحالة وهذه الحالة فقط.
****
سؤال: الفاحشة تنطبق على أي نوع ؟
الفاحشة المبيِّنة، والفاحشة هي الزنا، – نعم فقط -، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ]واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفَّاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً، واللذان يأتيانها منكم فآذوهم[، فكل علاقة جنسية غير شرعية تُسمى فاحشة، سواءً كانت بين أنثى وأنثى أو ذكر وذكر أو ذكر وأنثى، فهذه كلها اسمها فاحشة، وكلمة الفاحشة تأتي من الفُحش يعني القبح، وهذا يتعلَّق بالبُعد الجمالي في الإسلام، فكل شيء غير جميل هو غير إسلامي، وهو مرفوض، فلذلك يعبِّر رب العالمين عن الأشياء المستنكرة جداً بلفظ القبح أو البشاعة أو الفُحش، لأن الفُحش معناه القُبح، (( إن الله لا يحب الفُحش ولا التفحُّش ))، وأول هذا الحديث، (( أحسنوا لباسكم، فإن الله لا يحب الفُحش ولا التفحُّش ))، فمعنى هذا الفُحش هو القبح، فهذا باعتبار أنه أقبح القبائح أن يحدث هذا الشيء، وهذه سُميت الفاحشة واستُعملت في القرآن الكريم بمعنى الزنا.
****
سؤال: وهل تكون الفاحشة عقابها ….. “واهجروهن في المضاجع”.
هذا بالأصل إذا أراد الرجل أن يستـر الموضوع، لكن هو من حقه أيضاً أن يلاعن زوجته، يعني يدَّعي عليها فتنكر، فعند ذلك، – وهذا الشرع الإسلامي طبعاً بغض النظر عن المطبَّق حالياً – لكن الشرع الإسلامي وهذه من آيات سورة النور، وهي تبدأ بقول الله عزّ وجل: ]الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفةٌ في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وليشهد عذابهما طائفةٌ من المؤمنيـن[، والعذاب ماذا يعني هنا ؟، هو الجَلْد، “فاجلدوا كل واحدٍ منهما ..” إذن العذاب هو الجَلْد، وبعد 3 أو 4 آيات: ]والذين يرمون أزواجهم[، “يرمون”، باعتبار أن الشريعة دائماً تعتبر أن هذه تهمة وهو ليس شيء حادث بالفعل، فدائماً هناك حسن الظن، ]والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم [أي لم يرى أحد] فشهادة أحدهم أربع شهادات [فالشهادة هنا تُضرب بأربعة، فشهادة أحدهم أربع شهادات، لأنه من الواجب أن يكون هناك أربع شهود يشهدون عملية الزنا بكل وضوح حتى تعتبر جريمة زنا وتُحد] بالله أنه لمن الصادقين [يعني يحلف أول مرة وثاني مرة وثالث مرة ورابع مرة أنه صادق في اتهامه لها] والخامسة [فهذه الخامسة إذن] أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين[، إذن فما الذي تفعله المرأة ؟، ]يدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين[، في حالة الملاعنة، هي إذا حلفت هذه الأيمان فلا شيء عليها ولكن يفرَّق بينهما، وهذا يعمل فضيحة أمام الناس، أن الرجل لاعن زوجته وهي لاعنته، وطبعاً رب العالمين لا يريد أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وشيوع الفاحشة ليس مجرد انتشارها، وإنما مجرد ذيوع الخبر، فهذا في حد ذاته شيء غير مقبول فحتى لا تشيع الفاحشة، إذا استطاع الرجل أن يحل الموضوع داخلياً، وانحل بهذا الشكل من الهجران في المضاجع والضرب، فهذا ممكن يكون مقبول، وفي هذه الحالة فقط يمكن أن يُسمح بالضرب، وبالمناسبة كما قلت أن الهجران يكون في المضجع وليس هجران المضجع، يعني أنه لا يجوز أن يهجر فراش الزوجية، وإنما هو موجود في فراش الزوجية وفي الوضع الذي تكون فيه أكثر إغراءً له ومع ذلك، فهذا نوع من الضغط عليها، لمجرد استنكار هذا العمل، وإذا سار الأمر بهذه الطريقة فلا داعي للعان ولا يوجد داعي لفضح الموضوع، فهذه الطريقة للستـر فقط، فموجود هذا الخيار وموجود الخيار الآخر. وبمناسبة موضوع اللعان، فهذا دليل في الحد للمحصن وغير المحصن أنه الجَلْد وليس الرَجْم، لأن رب العالمين يقول: ]ويدرأ عنها العذاب[، أي عذاب ؟، العذاب الذي ورد بأول السورة، وهو الجَلْد، ]وليشهد عذابهما طائفةٌ من المؤمنين[، وهذه متزوجة وزوجها هو الذي يتهمها، ومع ذلك العذاب الذي ستُعذَّبه هو الجَلْد وليس الرَجْم، والرَجْم حدث في حالات قليلة جداً بما يُسمى في الفقه التعذير، لأن الحاكم يستطيع أن يشدِّد العقوبة بشكل من الأشكال، فهذا حدث في البدء لمجرد التنفير الشديد من مثل هذا العمل، لكن الحُكْم الذي موجود في القرآن الكريم ليس فيه رَجْم وإنما هو الجَلْد فقط.
****
سؤال: وليس يوجد أي آية تأتي بموضوع الرَجْم هذا ؟
أبداً، فيه أسطورة تقول أنه كان هناك آية تقول أن “الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ….”، أولاً الآية ركيكة ولا يمكن أن تكون هكذا في القرآن، ثم إن هذا باب إذا فُتح لا يُغلق، فكل من يقول إن هذه الآية أو غيرها كانت موجودة وأكلتها الشاة مثلاً مثل باقي الأسطورة، وهو طبعاً كلام غير معقول.
الشيخ والشيخة، اعتبروها أنهما المتزوِّج والمتزوِّجة، فهماك حديث يُروى أن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ….، أولاً اللغة التي نزل بها القرآن لا تعطي “الشيخ والشيخة” مثل هذا المعنى، وثانياً أن طبيعة النَظْم القرآني لا تكون بهذا الشكل، وثالثاً أنه فكرة أن آية كانت موجودة ونُسخت لفظاً وبقيت حُكماً، فهذا يمكن لأي واحد أن يدَّعي أي شيء ويقول أنه كانت هناك آية تقول كذا، وهذه تخلق مشاكل كثيرة، وأصلاً الآن هنالك بعض الدعاوى التي يدَّعيها السنَّة على الشيعة والشيعة على السنّة، من أن هناك آيات اختفت وآيات أُضيفت، وهذا كله ليس له أصل.
****
سؤال: تكلمت حضرتك من قبل في كتاب أيضاً عن الاختلاط، من ناحية الخلط بين الرجال والنساء، ففكرة أن الدين يمنع الاختلاط كيف بدأت وكيف ظهرت ؟
مع الفُرْس، فعندما دخل الفُرْس للإسلام، وكان عندهم نوع من اضطهاد المرأة واحتقارها بشكل كبير، وخاصةً الشكل الأخير من الزرادشتية الذي يُسمى الزروانية، فبالنسبة للزروانية اعتبروا أن هنالك إله للخير وإله للشر، وأن إله الشر خلق الأداة التي يُضِل بها الناس الطيبين وهي المرأة، فلذلك إذن كانت المرأة هي أداة إله الشر، ولذلك فهي شر، ولذلك فيجب أن تُضطهد وتُحارَب وتُبعَد وتُنأى، وما شابه ذلك، وهذا الذي جعلها في الأوساط الفارسية في وضع مُضطَهَد ومُحتَقَر، ولما دخل الفُرْس في الدين، طبعاً هم تعلموا الدين الصحيح، لكن في نفس الوقت بقيت التقاليد راسخة في وجدانهم، وكما قلتِ قبل هذه المرة أن التقاليد أقوى من الدين، فالله سبحانه وتعالى يقول: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله، قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا، فإذن التقاليد أقوى من الدين، ولذلك هذا الذي خاف من سيدنا أبو بكر ،



