محاضرات

المحافظة على البيئة في الإسلام

اللهم لك الحمدُ كلُّه ولك الملك كلُّه وبيدك الخير كلُّه وإليك يُرجَعُ الأمر كلُّه اللهم أنت تكشف الـمَغرَمَ والـمَأثـَم اللهم لا يُهزَم جندُك ولا يُخلَف وعدُك ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدّ سبحانك وبحمدك نعوذ برضاك من سَخَطك ونعوذ بمعافاتك من عقوبتك ونعوذ بك منك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك

****

وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له، كلمةٌ قامت بها الأرضُ والسَّمَاوات، وبها أرْسَلَ اللهُ تعالى رُسُلَه، وأنزلَ كُتُبَه، وشَرَعَ شَرَائعَه، وهي حقُّ الله على جميع العباد، وعنها يُسْألون، فلا تزول أقدامُ العِبـادِ بين يَدَي الله يـومَ القيامـة حتى يُسْألـوا: ماذا كنتم تعبُدون؟ و]ماذا أجَبْتم المرسلين[؟

وأشهد أن محمداً عبدُهُ ورسولُه، وأمينُهُ على وَحْيه، وخِيرَتَهُ من خَلْقه، خَتَمَ به أنبياءَه، وهَدَى به أولياءَه، وافْتَرَضَ على العباد طاعَتَهُ ومَحَبَّتَه، ونَعَتَهُ بقوله في القرآن الكريم: ]لقد جاءكُمْ رسولٌ من أنفُسكم، عزيزٌ عليه ما عَنِتُّمْ، حريصٌ عليكم، بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيم[. صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحْبه أفْضَلَ صلاة وأكْمَلَ تسليم.

أما بعد،

فقد قال الله عزَّ وجلَّ وهو أصْدَقُ قِيلاً، مبيِّناً لنا أنه قد خلق الإنسانَ خِلْقةً سَويَّةً: ]سَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى الذي خَلَقَ فَسَوَّى[، وقال عزَّ من قائل: ]يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ الَّذي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ، فَعَدَلَكَ[، وقـال تبارك وتعالى: ]وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا[. وقال سبحانه: ]لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم[. والمحافظةُ على وضع (( السواء )) هذا والتقويمِ الأحْسَنِ الذي فَطَر الله الإنسانَ عليه، مقصدٌ أساسي من أهم مقاصد هذه الشريعة، لأن (( الشرع موضوعٌ لجَلْب مَصَالح العبادِ ودَرْءِ مَفَاسدهم )) – كما يقول سلطان العلماء العزُّ بن عبد السلام موضِّحاً ذلك بقوله:

(( والشريعةُ كلُّها مصالح: إمَّا تَدْرَأُ مَفَاسد أو تَجْلُبُ مَصَالح. فإذا سمعتَ الله يقول: ]يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا[، فتأمَّلْ وصيَّتَه بعد ندائه، فلا تجدُ إلا خيراً يحثُّك عليه، أو شراً يزجُرُك عنه، أو جمعاً بين الحثِّ والزَّجْر )).

وأجَمْعُ أيةٍ في القرآن للحَثِّ على المصالح كلها، والزَّجْر عن المفاسد بأسْرها، قولُه تعالى في سورة النحل: ]إن اللهَ يأمُرُ بالعَدْل والإحسان وإيتاء ذي القُرْبَى، ويَنْهَى عن الفحشاء والمنكر والبَغْي، يَعِظُكُمْ لعلكم تذكّرون[. و(( العَدْل )) هو الغاية من إرسال الرُّسُل وإنزال الكُتُب: ]ليقومَ النَّاسُ بالقِسْط[، و(( الإحسانُ )): إما جَلْبُ مصلحة أو دَفْعُ مَفْسَدَة.

(( وقد اتفقت الأمة، بل سائر الملل – كما يقول الإمام الشاطبي – على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، وهي الدين والنفس والنسل والمال والعقل )).

وهذه هي حقوق الإنسان الأساسية!

 

ولا يَخْفَى أن ثلاثاً من هذه الضروريات الخمس، وهي النفس والنسل والعقل، لا تكتمل المحافظة عليها إلا بحفظ الصحة. وعن هذه الضروريات يقول الإمام الشاطبي:

(( والحفظُ لها يكون بأمرين: أحدهما: ما يُقيمُ أركانَها ويثبِّت قواعدَها…؛ والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقعَ أو المتوقّعَ فيها…)).

وهذا التصنيف البديع الذي وضعه الإمام الشاطبي رحمه اللّه، يَنْطَبق أفضلَ انطباق على الهدي الإسلامي في ضمان الحياة الصحية التي لابُدَّ منها لحفظ هذه الضروريات.

فهذا الهديُ الكريم يتضمن نوعَيْن من التدابير: تدابيرُ تقيم أركان الصحة وتثبِّت قواعدها وتعزِّزُها، وهي التدابير التعزيزية؛ وتدابيرُ تدرأ عن الصحة الاختلالَ الواقعَ أو المتوقّعَ فيها، وهي التدابير الوقائية.

وقد جَعَلَ النبيُّ r الصحة في المقام الأول بعد الإيمان فقال في الحديث الذي رواه ابن ماجة عن أبي بكر: (( سلوا الله المعافاة، فإنه لم يُؤْتَ أحدٌ بعد اليقين خيراً من المعافاة )). وقال r: ((إنه لا بأسَ بالغنى لمن اتَّقَى، والصحةُ لمن اتَّقى خيرٌ من الغنى )) وقال r: (( من أصبح منكم مُعَافىً في جسده، آمناً في سِرْبه، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزَت له الدنيا )).

فلا عَجَبَ إذنْ، أن نجدَ في كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه r، كثيراً من النصوص التي تَضْمَن للإنسان حفظَ صحته، وتعزيزَها، والمحافظةَ على وضعه السَّويِّ الذي فطره الله عليه.

ويأتي في مقدمة هذه النصوص المباركة، ذلك النصُّ الفريد الذي لا نجده في أيِّ كلام آخر سوى كلام المعصوم r، وهو قولُه في الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمرو: (( إنَّ لجسدك عليك حقاً )). وقد توصل الناس بعد أربعةَ عشر قرناً من تقرير الإسلام لحقوق الإنسان، إلى إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكنهم لم يتوصلوا بعد إلى إعلان (( حق الجسد ))، الذي من حقه على صاحبه أن يُطعمه إذا جاع، ويُريحه إذا تعب، ويُنظفه إذا اتسخ، ويحميه مما يؤذيه، ويقيه من الوقوع في براثن المرض، ويداويه إذا مرض، ولا يكلفه ما لا يطيق. وهو حقٌّ واجبٌ لا يجوز في نظر الإسلام أن يُنْسَى ويُهْمَلَ لحساب الحقوق الأخرى، ولو كان منها حقُّ الله عز وجل.

****

ومن أهم النصوص التي نستمد منها فقـهَ الصحـة، قولُـه سبحانـه وتعالى في سورة الرحمن:

(( وَوَضَعَ الميزَان أَنْ لا تَطْغَوْا في الـمِيزَان وأقيمُوا الوَزْنَ بِالقِسْط وَلاَ تُخْسِرُوا الـمِيزَان ))

فهذه الآية الجامعة تتحدث عن الميزان الذي وضعه الله جل وعز في هذا الكون بمختلف أجزائه وعَوَالِمِه، ومنها الإنسان، وتَلفت النظر إلى هذا التوازن والاعتدال الذي يكفُلُ للإنسان صحَّتَه وعافيَتَه.

ومفهومُ الصحة العصريُّ ينطلق من هذا القانون الثابت، ويقوم على وجود ما ندعوه بالميزان الصحي الذي يضمن الحفاظ على صحة الإنسان مادام في حالة توازُن واستتباب، كما يقوم على وجود رصيد صحي يكفل عدم اختلال الميزان الصحي، ويتكفل بإعادته إلى توازنه عندما يتعرَّض إلى أي اختلال.

ولكن اللّه سبحانـه وله الحمد، لم يقتصر على لفت نظرنا إلى هذا القانون الإلَهي بقوله: ]وَوَضَع الميزان[، وإنما رسم لنا طريقة الحفاظ على هذا التوازن ووقايَتـِه من كل اختلال في أيّ اتّجـاه كـان، إفراطـاً كان ذلك الاختلال أم تفريطـاً، فأمَرَنـا بالتـزام القسـط والعـدل: ]وأقيمـوا الوزنَ بالقِسْط[، وحَذَّرنـا مـن الطُغيــان: ]أنْ لا تطغـَوا[ ومـن الإخســـار: ]ولا تُخْسِروا[ على حد سواء، لأن كل تطرُّف في أيِّ اتِّجاهٍ كان، سوف يُخِلُّ بهذا الميزان، ولأن أيَّ إخلال بهذا الميزان يمــكن أن يُفضي إلى أسـوإ العواقب، كما قال سبحانه في سورة يونس: ]ياأيُّها النَّاسُ إنَّما بَغْيُكُمْ على أنْفُسِكُمْ). والبَغْيُ – في لسان العرب – الانحرافُ عن الحق وتجاوُزُ الحدود.

أما كيف نضع هذه التدابير الوقائية والتعزيزية موضع التنفيذ، فإنَّ من عظيم نِعَم اللّه على هذه الأمة، أنْ زوَّدها بهذا الضمير الحركي الذي يقال له الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعَدَّهُ سببَ خيريَّتها، وعِلَّةَ إخراجها للناس، وأبرزَ سجاياها، إذْ قـال في سورة آل عمران: كنتم خيرَ أمة أخرجت للناس: تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنـون باللّه. وهي سجيّةٌ كان أوَّلَ من اتّصف بها إمامُ هذه الأمة وقدوتُها وأسوَتُها صلوات الله وسلامه عليه، كمـا جـاء وصفـه في التوراة والإنجيل: يأمرهـم بالمعـروف وينهـاهم عـن المنـكر، ويُحلُّ لهم الطيِّبات ويحرِّم عليهم الخبائث)، ثم هي – من بعده – صِفَـةُ أولي الأمر من هذه الأمة: الذين إن مكنّاهم في الأرض أقامـوا الصلاة وآتوا الزكـاة وأمـروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ثم هي صفة كل فرد من أفراد هذه الأمـة: والمؤمنون والمؤمنـات بعضُهم أوليـاء بعض: يأمـرون بالمعروف وينهون عن المنكر؛ يابُنَيَّ أقم الصلاة واأمُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر.

وما نَعْلَمُ صفةً أخرى تحدَّثَ القرآنُ الكريمُ بهذا التفصيل عن تخلُّلِها جميعَ أفرادِ هذه الأمة، حكاماً ومحكومين، ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً. وما ذلك – واللّه أعلم – إلا لأنها ضمانةُ جلب المصالح ودرء المفاسد.

والمؤسفُ أن المسلمين في عصرنا الحاضر قد مَسَخُوا هذه الفريضة وقزَّموها وشوَّهوها، وقَصَروها على بعض شعائر الدين ومظاهره، مع أنها في أصل الشرع تتدخل في كل أمر يحقق مصالح الدين والدنيا.

مخالفةُ إشارة المرور في عصرنا هذا تَنْدَرِجُ في المنكر، لأن النبي يقول في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر: (( على المرء المسلم السمع والطاعة في ما أحبَّ وكره ما لم يؤمر بمعصية )). وتنظيمُ المرور ليس معصيةً بل هو مصلحةٌ وخيرٌ وبرٌّ، فالالتزامُ به فَرْضٌ بنص الحديث، ومخالفتُهُ مُنْكَر، ولفتُ نظر مَنْ يخالِفُه أمرٌ بالمعروف… إلقاءُ ورقة على الطريق في غير المكان المحدد لها منكر، وتوجيهُ مَنْ يقترف ذلك أمر بالمعروف، وإماطةُ الأذى عن الطريق صَدَقة.. إفسادُ البيئة بأيِّ صورة من الصُّوَر منكر، والنهيُ عن إفسادها نهيٌ عن المنكر، مصداقاً لقول الله عز وجل في سورة هود: ]فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيَّةٍ ينهَوْنَ عن الفساد في الأرض[.. التدخينُ الذي يعرِّض صحَّةَ المدخِّن وصحَّةَ مَنْ حَوْلَهُ إلى أخبث الأمراض: منكر، لأن النبي r يقول: (( لا ضَرَرَ ولا ضرار )) ومعنى ذلك تحريم الضَّرَر، وهو الإضرار بالنفس، وتحريم الضِّرار، وهو الإضرار بالغير.. وإقناع المدخِّنين بالإقلاع عن التدخين نهيٌ عن المنكر، ونُصْحُ غير المدخِّنين بعدم الوقوع في براثن التدخين أمرٌ بالمعروف.. إرضاعُ أطفالنا من الثدي خيرٌ ومعروف، والتبشيرُ به والدعوةُ إليه بين الأمهات أمرٌ بالمعروف.. تطعيمُ أطفالنا لتحصينهم من الأمراض الـمُعْدِية بـِرٌّ ومعروف، لأنه يقيهم غائلةَ أوخَم الأمراض، والدَّعوةُ إلى تعميمه والمواظبة عليه أمرٌ بالمعروف… وهي كما نرى قائمة لا تنتهي من المعروفات والمنكرات.

وقد ذمَّ اللّه قوماً ]كانوا لا يَتَنَاهَوْن عن مُنْكَر فَعَلُوه[، وقال مُثنياً على الذيـن يحاربون المنكر: ]أنجَيْنا الذين يَنْهَوْنَ عن السوء، وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس[. وقال النبي r: (( والذي نفسي بيده! لتأمُرُنّ بالمعروف ولتنهَوُنّ عن المنكر، أو ليوشِكَنّ اللّه أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونَهُ فلا يُستجابُ لكم )). وقال صلوات اللّه وسلامه عليه: (( انصُرْ أخاك ظالماً أو مظلوماً ))، فقال رجل: يا رسول اللّه أنصره إذا كان مظلوماً، أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجُزُه – أي تمنعه – من الظلم، فإنَّ ذلك نصْرُه )).

****

صفوةُ القول أن نستثمر فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونستغلها في مجال الحفاظ على الصحة ووقايتها من الأمراض، وهي فريضةٌ على كل مسلم بقَدْر ما عَلِمَ وبقَدْرِ ما استطاع، كما بيَّن ذلك معلم هذه الأمة صلوات اللّه وسلامه عليه بقوله (( من رأى منـكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان )).

فالتغييرُ بالقلب – وهو استنكار المنكر – يشتـرك فيه الناس أجمعون. ولابُدّ له من التوعية الشاملة، التي يمكن – بل ينبغي – أن تقوم بها اليوم وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وخُطَب المساجد، وتدخلَ في مناهج التعليم منذ المرحلة الابتدائية، فتَنْغَرسَ في عقول الناشئة، حتى يَشِبُّوا عليها وهيَ جزءٌ من تكوينهم الفكريِّ وسلوكهم العمليِّ.

ولابُدَّ في سبيل غَرْس هذه القِيَم الصحيَّة ونشرها، من نُخْبَةٍ مباركة من العاملين في الحَقْل الصحِّي، يَدْعُونَ إلى هذه القِيَم ويُبَشِّرونَ بها، بعد أن يَتَزَوَّدوا بِزَادٍ وفير من المعلومات الصحيَّة العَصْريَّة، ويتحلَّوا بالأخلاق الكريمة والسلوك القويم، مـمَّا يُكْسِِبُهم احترامَ الناسِ وتقديرَهم وثِقَتَهُمْ، فيجعل الرسالات الصحيَّة تَنْطلق من القلب إلى القَلْب، وتؤتي أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربِّها. فهنيئاً لـِمَنْ وفَّقَهُ اللهُ إلى العمل في القطاع الصحي، جالِباً العافِيَةَ للناس، وداعياً إيَّاهم إلى ما فيه خيرُهم وصِحَّتُهُمْ؛ ويا حَبَّذا لو بادَرَ شبابُنا وشابَّاتُنا إلى الانضمام إلى هذا الرَّكْب المبارك من العاملين في الحَقْل الصحي على جميع مُسْتَوَياته، فهذه المهنة الشريفة – كما قال أحد أطباء الحضارة العربية الإسلامية قبل سبعة قرون -: منحةٌ من الله تعالى، يعطيها لـمُسْتَحِقِّها لأنه يصير واسطة بين المريض وبين الحق سبحانه وتعالى في طَلَب العافية له، حتى تجري على يديه فتحصل له الحُرْمة الجزيلةُ من الناس، ويَمْثُلَ عندهم، ويُطْمأنَّ إليه في ما يعتمده، وفي الآخرة الأجرُ والـمُجَازاةُ من ربِّ العالمين، لأن النَّفْعَ الـمُتَعدِّيَ لخَلْق الله عظيم، خصوصاً للفقراء العاجزين.

أما تغيـيرُ المنكر باللسان، والأمرُ بالمعروف باللسان، فَيَقومُ بها كلُّ مَنْ تَلَقَّى التوعيةَ الآنفة الذكر في المجال الذي يناسبه: الطفلُ الذي يجد أباه يفسد بيئة المنزل بالتدخين، يقولُ لـه بكل أدب وتهذيب ما تعلّمه في المدرسة من أن التدخين القسريّ الذي يفرضه المدخِّن على غير المدخنين يضرّ بهم، وخطيبُ المسجد الذي يرى القُمامة منثورة في الشارع، يلفت نظر المصلِّين إلى ضرورة التخلص منها، ومُعِدَّةُ البرنامج الإذاعي الذي يتناول شؤون الناس، تلفت أنظارهم إلى ضرورة الاقتصاد في استعمال المياه، أو إلى ضرورة الحفاظ على الثروة النباتية وإغنائها، أو إلى عدم تلويث مياه البحار… وليس يخفى أن الشارع الحكيم لم يَدَع الأمر دون ضوابط بل قال الله سبحانه: ]ادْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة[ وقال جل جلاله: ]وقولوا للنَّاس حُسْناً[، وقال رسول الله r في حديث متفق عليه عن عائشة: ((إن اللّه رفيقٌ يحب الرِّفق في الأمر كله ))، وقال صلوات اللـه وسلامه عليه في حديث متفق عليه عن أنس: (( يسِّروا ولا تعسّروا، وبشِّروا ولا تنفّروا )). فهو يعلّمنا ضرورة الرِّفق في القَوْل والتأدُّب في النُّصح، وتلك شروط يَغْفُلُ عنها كثيرٌ من الناس في هذا العصر، فيعصون الله مِنْ حيثُ أرادوا طاعَتَه، ويرتكبون المنكر مِنْ حيثُ أرادوا الأمرَ بالمعروف.

****

وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد، فمحصورٌ في مَنْ كانوا ذوي قدرة على ذلك، وهم في نظر الإسلام أولياءُ الأمور، فإن الله لَيَزَعُ بالسُّلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن، ولابُدَّ من سنِّ القوانين والتشريعات التي تحفظ على الإنسان صحَّته، وتشجّع على تعزيزها، وتعاقب مَنْ يعرِّض صحة الآخرين لما يؤذيها، زَجْراً ورَدْعاً لمن لا ينفع فيه الوعظ والإرشاد. وأهمُّ من ذلك تشجيع وليّ الأمر لكل مبادرة تهدف إلى حفظ الصحة وتعزيزها.

****

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى