خطابات

الوقاية من الإدمان في ظل الحياة الإسلامية

لقد أسبغ اللّه سبحانه على الإنسان نِعَمَه: ظاهرةً وباطنة، وكان من أجلِّ هذه النعم، نعمة الصحة، التي بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنها إحدى نعمتين اثنتين مغبونٌ فيهما كثير من الناس· وقانون اللّه سبحانه في النعم ثابت لا يتغيَّر: ( ذلك بأنَّ اللّه لمْ يَكُ مُغَيِّراً نعمةً أنعمها على قومٍ حتَّى يُغيِّروا ما بأنفسهم !)·

فإذا أحسن الإنسان الاستفادة من نعمة الصحة والحفاظ عليها، وعمل على تعزيزها وتقويتها وتنميتها، فقد استمسك بالعروة الوثقى، واستمتع بخيرات العافية وبركاتها، ونَعِمَ بالنجاة من عامَّة الأمراض والأسقام·· وإنما يفلح في ذلك إذا سلك في حياته سلوكاً يعزِّز صحته، واتَّبع في معاشه أسلوباً يزيد من رصيده الصحي، وعمل على اللجوء إلى الوقاية التي هي خير من قناطير العلاج·

وأما من طغى، وآثر الاستغراق في الملذات غير آبهٍ بما يكون لها من عواقب سيئة، واتَّبع في حياته نمطاً سلبياً منافياً للصحة·· فأقبل على معاقرة الـمُسْكِرات والمخدرات والتدخين، وأسرف في تناول الأطعمة الـمُحْدِثَة للسمنة، وأكثر من التعرُّض للكروب والانفعالات الشديدة، وفرَّط في إعطاء نفسه قسطها من الراحة، وساهم في إفساد بيئته وتدنيسها·· فلا عجب في أن تختلَّ موازينه، وتعتلَّ صحته، وتَعْتَوِرَه ضروب الأوصاب والأسقام جزاءً وِفاقاً لما جنته يداه، ( وما ظلمهم اللّه ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)·

والإدمان نوع من الأنماط الحياتية المنافية للصحة، وهو تعبير عن موقف متخاذل يتخذه المرء بإزاء مادة كيميائية معينة، لا يستطيع من براثنها خلاصاً ولا من إسارها فكاكاً· هذه المادة الكيميائية قد تكون الكحول، فيكون المرء مدمناً للـمُسْكِرات، وقد تكون عقَّاراً مخدِّراً، فيكون المرء مدمناً للمخدرات، وقد تكون التبغ (وهو يحتوي على عقَّار مخدر هو النيكوتين) فيكون المرء مدمناً للتدخين· والذي يؤدي إلى هذا التخاذل هو موقف سلبي يجعل صاحبه يفر من الواقع بدل أن يواجه الواقع، ويهرب من مشكلاته بدل أن يجابه مشكلاته· والنَّهجُ الإسلامي في اتِّقاء ومعالجة هذا الإدمان بأنواعه المختلفة موجّه في الوقت نفسه إلى الفرد والمجتمع·

موجَّهٌ إلى الفرد، من خلال التبشير بأنماط الحياة الإسلامية التي تغيِّر ما بنفس الإنسان فتخرج به من الموقف السلبي إلى الموقف الإيجابي وبذلك تعالج أسباب المشكلة بدل أن تقتصر على معالجة أعراضها· وموجَّهٌ إلى الفرد كذلك من خلال تبيان المضارّ التي تلحق به من جرَّاء إدمانه ومن خلال الترغيب في التوبة والتشجيع على الكفّ عن مواصلة الإدمان·

وموجَّهٌ إلى المجتمع من خلال تقديم التوعية والنصيحة والحماية والدعم والرعاية، لمن يكون عرضةً للإدمان أو ضحية له على حد سواء· فالمؤمـن أخـو المؤمن: يَكُفُّ عليه ضَيْعَتَه ويَحُوطُهُ مِنْ ورائه، والمسلم أخـو المسلم: لا يَظْلِمُه ولا يُسلِمُه ولا يَخْذُلُه· فلا يحلُّ للمسلم أن يرى أي فرد في المجتمع الإسلامي يتعرض إلى سوء فيقف منه موقف المتفرج ولا يمدّ إليه يد العون لأنه يكون بذلك قد خذله وأسلمه·

وما نطلق عليه في زماننا اسم “التثقيف الصحي” وسيلة أساسية للوقاية من الإدمان، وهو يندرج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو سمة أصيلة من سمات المجتمع الإسلامي، وهو يتعدى مجرد التوعية وإتاحة المعلومات إلى متابعة تطبيق هذه المعلومات الصحية على صعيد الواقع·

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى