مقالات

الفوائد الصحية لصيام شهر رمضان الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

يحلو لكثير من الناس – عن طيبة وحسن نيّة – أن يعلقوا كثيراً من الفرائض والتوجيهات الإلهية بما يظهر للعين أو بما يكشف العلم من فوائد حسيّة لها. وذلك في اعتقادنا منعطف خطر لأن علاقتنا نحن بهذه الأوامر والنواهي علاقة التعبّد والتلقّي لا علاقة الاستقراء والاستنتاج. وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى ليّ أعناق النصوص حتى نقصرها على ما يتبادر لأذهاننا المتواضعة من معانٍ. ويعتقد بعضهم أنهم بمثل هذا يوفّقون بين الدين وبين العلم أو يسخّرون العلم في خدمة أهداف الدين. والخطأ في ذلك أن ميدان العلم مختلف كل الاختلاف عن ميدان الدين، العلم يجيب عن سؤالك: كيف ؟ فيصف الأشياء ويصف كيف تحدث الأشياء. والدين يجيب عن سؤالك: لماذا ؟ فينفذ إلى ما وراء العالم المرئي والمحسوس. ولا مجال للتناقض بين الميدانين لأن كلاً منهما قطاع مستقل عن أخيه.

ولكننا برغم هذا لا أحب أن أنفي ما تكشف عنه الملاحظة أو يكشف عنه العلم من فوائد لهذه الفرائض والتوجيهات على أن يبقى ذلك في حدود الدراسة العلمية المجرّدة وفي حدود تقدير الفوائد دون تجاوز ذلك إلى ما وراء حدود الإنسان.

والصيام أبلغ الأمثلة على ما نقول. فلا ريب أن الأيام تكشف عن منافع عديدة وجديدة للصيام ولكنن نقول إن الله قد فرض الصيام من أجل هذه المنافع، ولا تذهب بنا الحماسة مع الذاهبين فنتحمّس للصيام كيف كان وندعو إلى صوم أيام متعددة متواصلة بدعوى العلاج وذلك أمر خطير قد يودي بحياة من يفعله بمنأى عن إشراف الطبيب وليس ذلك بالصيام الإسلامي حتى نتحمس له وندعو إليه بل هو على العكس من ذلك مخالف له لنهى النبي عن الوصال أي مواصلة الصوم.

أما بعد، فما كشف العلم عنه من فوائد للصوم الإسلامي بشروطه عديد وسأتناول منها لقطة صغيرة تتعلّق ببعض ما يجري في هذا الحيّز الكيماوي العجيب: جسم الإنسان.

وإنا لنعلم أن الإنسان يستمد من غذائه الطاقة اللازمة للمحافظة على حياته وللقيام بأعماله. ونعلم أن أغذية الإنسان مختلفة الأشكال متنوّعة الضروب: نقول الأغذية النشوية أو السكرية ونعني بها ما كان من جنس المعجنات والخبز والحلوى وما يحتوي على سكر. ونقول الأغذية الدسمة ونعني بها ما احتوى على زيت أو سمن أو زبد أو شحم أو ما إلى ذلك. ونقول الأغذية البروتينية ونعني بها ما كان من جنس اللحم والبيض والحليب.

وتتألّف النشويات من لبنات صغار ندعوها السكاكر وأهمها على الإطلاق سكر العنب أو …… الإفرنجي وهو الشكل الرئيسي الذي يوجد في الدم ويتحول في الكبد إلى …… كبار ندعوها مولّد السكر لأنها تنفرط حين الطلب متحولة إلى سكريات بسيطة على الفور. أما المواد الدسمة فتنفرط إلى ما ندعوه الحموض الدسمة، والبدن يستنفرها حينما يحتاج من مداخرها في الجسم حيث يتـراكم الشحم والدهن أو حيث يستقرّان.

والمواد الدسمة – بالمناسبة – من مشكلات الحياة المعاصرة. ولا يكاد يشك ذو عقل الآن في أن من الضروري السعيَ لتنحيف السِّمان، لا لمجرد الرشاقة والذوق فحسب، وإنما لما تجره البدانة على صاحبها من علل وأمراض ومن المواد الدسمة مركَّب يقال له الكولستـرول أخذت تتداوله الألسنة والأسماع في أيامنا لأنه يتـرسّب في بطانة العروق فيصلّبها ويكاد يسدّها، فإذا انسدّت أحدثت جلطة في القلب أو سكتة في الدماغ أو ما إلى ذلك من الأسقام.

والسكريات حين تنفرط إلى لبناتها الصغار تستطيع هذه اللبنات أن تبني الكولستـرول ! والمواد الدسمة الأخرى وخاصةً ما كان منها من منشأ حيواني تساعد على ترسُّب هذا الكولستـرول ……

والصوم في هذا الصدد يحرِم البدن مؤقتاً من زاده الخارجي، فيضطر الجسم إلى استنفار ما فيه من مدّخرات، وهو يبدأ بأسهلها: السكريات فيحرقها، ثم يستنفر بعدها الحموض الدسمة وهي وقود – في نظره – ثمين، يستنفرها من مداخرها .. من كتل الشحم التي في البطن أو الأكتاف أو الأرداف وبذلك يمتنع إلى حين تحول محاصيل السكريات إلى مواد دسمة وتحتـرق المواد أيّما احتـراق .. ويذوب الدهن الذي تراكم في الجسد رويداً رويداً بسلام.

وتنتهي سُوَيعات النهار فيفطر الإنسان على تمرات – سنّة رسول الله – والبدن في شوق إلى السكريّات وشغف فيسد بذلك ما اعتازه منها ويوازن ما كاد يختلّ.

ويتناول الإنسان طعاماً معقولاً – لقيمات يقمـن صلبـه كما يأمـر بذلك النبـي – ويقوم قبل أن يشبع تنفيذاً لتوجيهاته صلوات الله عليه، فيكون بذلك لما يحرق الجسد قيمة وتبدأ تنحلّ هذه الأدران ويتلاشى ذلك الضرر ……

وثـمّة لفتة ينبغي أن نشير إليها يلحّون عليها في تدبير حمية السمان. فالعلم يصرّ على ألاّ تستحيل الحمية بحيث تبقي على وجبة واحدة في اليوم فذلك خطير وغير مفيد، وإنما لابد من وجبة أخرى على الأقل، من أجل ذلك نوصي ملّحين على وجبة السحور وقبل ذلك من أجل أن النبي r أمر بها فقال فيما صحّ من حديثه: ((  تسحّروا فإن في السحور بركة  ))، وهي بركة عميمة الفائدة يشعر بها كل من عاش في رحاب هذه السنّة المطهّرة.

هذه لمحة واحدة أحببت أن أقتصر عليها كيلا أُمِلّ، فحديث العلم أكثر جفافاً من كل حديث، ولعل غيري من الأطباء يتناول نواحي أُخَر .. لُقيمات من العلم لأثقل على معدة الصائم ولكنها تشرح له بعض ما اتّضح من أسرار وتصحّح له بعض ما قد يعتـري من أوهام وتخفّف عنه ما قد يخشاه من حرج في عبادة نصّ الله سبحانه على أنه يريد بها اليسر ولا يريد بها العسر.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى