مقالات

رعاية المرأة قبل وما بعد الحمل

الأمومة المأمونة

مشروع درس حَسَني يلقيه الدكتور محمد هيثم الخياط عن رعاية المرأة الحامل

انطلاقاً من قوله تعالى: (حَمَلَتْهُ أمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ، وفِصَالُهُ في عامَيْن)

الصحة حق أساسي من حقوق كل إنسان. و((توفير الصحة للجميع )) يستلزم تحقيقَ العدالة في إتاحة الرعاية الصحية الجيدة لكل إنسان، مع إيلاء عناية خاصة للفئات الفقيرة والضعيفة من المواطنين، وفي طليعتهم النساء، كما قال النبي e: (( إني أحرِّج حق الضعيفَيْن: اليتيم والمرأة )) [حديث حسن رواه النسائي بإسناد جيد عن أبي شريح، خويلد بن عمرو الخزاعي]، وكما قال صلوات الله وسلامه عليه: (( استوصوا بالنساء خيراً )) [رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة].

ويحدث معظم الوفيات في العالَم في شريحة النساء، بمعدَّل ألف وأربعمئة وفاة يومياً على الأقل، أي إن أكثر من نصف مليون امرأة سنوياً يقضينَ نَحْبَهنَّ بسبب المضاعفات الناجمة عن الحمل والولادة. وتحدث قرابة ثمانية وتسعين بالمئة من هذه الوفيات في البلدان النامية، حيث تـتعرَّض المرأة إلى خطر الموت من جرّاء المضاعفات الناجمة عن الحمل، بنسبة تفوق خطرَ تعرُّض نظيراتها في البلدان المتقدِّمة أربعين مرة. ويعني هذا أن الحمل والولادة، وإن كانا عمليتَيْن فيزيولوجيتَيْن طبيعيتَيْن، لا مَرَضَيْن من الأمراض، إلا أنهما كثيراً ما يتـرافقان ببعض الأخطار التي تهدِّد صحة الأم والجنين الذي تحمله أحشاؤها، كما تهدِّد بقاءهما. ولا يَخْفى أن ذلك يحدث في نساء في مقتبل العمر، وهن في الغالب مسؤولات عن صحة وعافية أنفسهن وعائلاتهن.

وتنجم أربعة أخماس وفيات الأمومة عن عدد من مضاعفات الحمل والولادة، مثل النزف، والتشنُّج النـِّفاسي، ومقدِّماته، والعدوى، والإجهاض المفتعل الذي يتم بكيفية غير مأمونة، والولادة المتعسِّرة، وكلها وفيات يمكن اتـِّقاؤها إذا أتيح للمرأة أن تـتلقَّى رعاية صحية على يد مولِّدة ماهرة، أثناء الحمل والولادة والنفاس. في حين ينجم الخمس الخامس عن عدد من الأمراض التي قد تـتفاقم مع الحمل مثل الملاريا، وفقر الدم، والسل، وأمراض القلب، والعَوَز المناعي (السيدا).

وعلاوة على وفيات الأمومة، يعاني أكثر من ربع مجموع النساء البالغات في العالم النامي، من اعتلال صحة المرأة من جرّاء الحمل والولادة. ناهيك عن تفشِّي العديد من الممارسات الضارة بالصحة، مثل تغيير خَلْق الله بتشويه الأعضاء التناسلية للأنثى تحت مسمّى ختان البنات كما يحدث في بعض البلدان الإفريقية؛ ومثل حمل المراهقات الذي يتم قبل اكتمال النضج الجسمي والنفسي للفتاة، وما يتبعه من ولادة قبل سن النضج تزيد احتمال التعرُّض إلى الوفاة بمقدار الضعفَيْن في مَنْ هن بين الخامسة عشرة والتاسعة عشرة من العمر، وبمقدار خمسة أضعاف في مَنْ هن دون الخامسة عشرة؛ ومثل تقارُب الأحمال تقارُباً يُنافي ما توصي به القاعدة الربانية: ]والوالدات يُرضعن أولادهنَّ حولَـيْن كاملَيْن لمن أراد أن يُـتمَّ الرَّضاعة[ [سورة البقرة: 233]؛ ومثل كَـوْن 16% من الأمهات يُنجِبنَ طفلهن الأول قبل سن العشرين.

ومما يؤسف له أن نسبة الحوامل اللائي يتلقَّين الرعاية أثناء الحمل في البلدان النامية لا تـتجاوز خمساً وستين بالمئة (مقابل سبع وتسعين بالمئة في البلدان المتقدِّمة)، وأن نسبة الولادات التي تـتم تحت إشراف متخصِّصين مَهَرة في هذه البلدان لا تـتجاوز ثلاثاً وخمسين بالمئة (مقابل تسع وتسعين بالمئة في البلدان المتقدِّمة)، وأنه لا يحظى بالرعاية التالية للولادة في هذه البلدان النامية أكثر من ثلاثين بالمئة من النساء (مقابل تسعين بالمئة في البلدان المتقدمة). ويزداد الأمر سوءاً في المناطق الريفية والنائية التي تعاني بالإضافة إلى ضآلة الخدمات الصحية الأساسية، من وعورة الطُّرُق، التي تجعل إنقاذ حياة الأمهات أمراً شبه مستحيل.

رعاية المرأة قبل الزواج

  • ينبغي البدء في حفظ صحة المرأة وتعزيزها منذ أن تولد:
  • فعلى الأم إرضاع الطفل والطفلة من ثديها التـزاماً بقوله تعالى: ]والوالدات يُرْضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة[ [سورة البقرة: 233] مقتصرةً على الإرضاع وحده في الأشهر الستة الأولى. وتُعْفَى من ذلك الأم التي لديها عذر طبي يمنعها من الإرضاع. وعلى الأب توفير الرعاية الـمُثـْلَى والغذاء المناسب والكامل الذي يكفي الأم ورضيعها في فتـرة الرضاعة. ((  فالرَّجُل راعٍ في أهل بيته وولده وهو مسؤول عن رعيته  )) – كما يقول النبي e [رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو].
  • وعلى الأولياء تطعيم الأطفال المواليد ذكوراً وإناثاً باللقاحات التي تقي من أمراض الطفولة القاتلة، في المنشأة الصحية الـمُعَدَّة لذلك.
  • وينبغي أن يُحظر أي نوع من أنواع تشويه الأعضاء التناسلية للفتاة، لأن ذلك من عمل الشيطان: ]ولآمرنَّهم فليغيرنَّ خلق الله[ [سورة النساء: 119] وقد لعن رسول الله e (( المغيِّرات خَلْقَ الله )) [رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود]. وينبغي أن يُحظر على الأفراد وعلى المنشآت الصحية والعاملين بها القيام بذلك تحت طائلة العقوبة.
  • وينبغي أن يُحظر تعريض الإناث للمخاطر الصحية الناجمة عن الحمل والإنجاب قبل اكتمال نمو عظام الحوض ونضج أداء الأعضاء التناسلية، أي قبل سن الثامنة عشرة. فقد قال النبي e مخاطباً شباب أمَّته ذكوراً وإناثاً: (( يا مَعْشَرَ الشباب! من استطاع منكم الباءَةَ فليتزوّج )) [رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود]، ومعنى قوله: من استطاع الباءَة، أي من امتلك مقومات الزواج من الناحية البيولوجية والفيزيولوجية ومن الناحية النفسية ومن الناحية المادية. وإذا حَدَثَ أن تزوَّجت الفتاة قبل هذه السن، فينبغي أن يلتزم الزوجان باستعمال وسائل تنظيم الأسرة المناسبة لتأجيل الحمل.
  • والتـزاماً بقول النبي e: ((  تخيَّروا لِنُطَفِكم  )) [رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم عن عائشة]، فإن على من يقوم بإجراء عقد الزواج بين الرجل والمرأة، التأكُّد من حصولهما على شهادة طبية تؤكِّد صلاحيتهما للزواج من الناحية الصحية، بما في ذلك خلوّهما من الأمراض الوراثية.

رعاية المرأة قبل الحمل

  • إنَّ مـمَّا لا يمكن إنكارُه علمياً، تلك الرِّقَّة والرَّهافَةُ vulnerabilité الجسديَّة في المرأة وكونُها عُرْضَةً لمفعول المؤثـِّرات المختلفة على الصحة أكثـَر من الرجل. وقد أشار الله عزَّ وجلَّ إلى شيءٍ من ذلك حينما وَصَفَ الـحَمْل [في سورة لقمان: 14] بأنه وَهْنٌ على وَهْن، وحينما تحدَّث عن المشقَّات التي تعانيها الحامل طَوَالَ حملها وفي أثناء ولادتها: ]حملته أمُّهُ كُرْهاً ووَضَعَتْه كُرْهاً[ [سورة الأحقاف: 15] [والكُرْه: المشقَّة]. ولعلَّه لذلك قال النبي e: (( إني أُحَرِّجُ حقَّ الضعيفَيْن: اليتيم والمرأة ))، وجَعَلَ للأم ثلاثة أرباع البـِرّ حينما سُئلَ: من أحق الناس بحسن صحبتي؟ فقـال: (( أمُّـك، ثم أمُّـك، ثم أمُّـك، ثم أبـوك )). بل لعلَّه لذلك شَبَّـهَ النبـيُّ  eالمرأةَ (( بالكريستال))  في نَفَاسَته ورَهَافَته؛ فعَنْ أنس t أن النبي e كان في سَفَر، وكان غلامٌ يَحْدو بهنَّ [أي يغنِّي للإبل غناءً يستحثـُّها على مواصلة السير والإسراع فيه] يُقـال لـه أنـْجِشَـة، فقال النبي e: (( رُوَيْدَك يا أنجشة سَوْقَكَ بالقوارير! )) (226). [والقوارير هي – والله أعلم – ما نعرفه اليوم باسم ((الكريستال)) وقد ورد ذكر القوارير بمعنى ((الكريستال)) في سورة النمل: 44، وسورة الإنسان: 15].
  • وقد أكَّد الشارع على المسؤولية الكبرى التي يتحمَّلها الزوج أمام الله عن زوجته، فقال تعالى: ]وأخذنَ منكم ميثاقاً غليظاً[ [سورة النساء: 21]، وقال النبي e: (( اتـّقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهنَّ بأمان الله )) [رواه مسلم عن جابر].
  • ولذلك يحق للمرأة بعد زواجها تأجيل الحمل، ولاسيَّما الحمل الأول، في سبيل الحفاظ على صحتها وصحة أطفالها وترك فتـرات زمنية كافية بعدئذ (2 – 3 سنوات) بين الحمل والآخر. وعلى الزوج أن يتعاون مع الزوجة في تحقيق ذلك باستخدام وسائل منع الحمل المشروعة، والخالية من المخاطر الصحية، والأكثر أماناً. وهذا من أهم مظاهر الخيريَّة في الزوج، وهي الخيريَّة التي تحدَّث عنها النبي e بقوله: (( خيارُكم: خيارُكم لنسائهم )) [رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو]. ويكون ذلك وجوبياً إذا قرَّر الطبيب ذلك. وقد صـحَّ عن جابر أنه قال: ((  كنا نعزل [نمنع الحمل] على عهد رسـول الله e والقـرآن ينـزل  )) وفي رواية ((  فبلـغ ذلك نبي الله e فلم يَنْهَنا  )) [رواه البخاري ومسلم عن جابر]. وقـال e للذي سأله عن منع الحمل: ((  اعزِلْ عنها إن شئت )) [رواه مسلم وأبو داوود عن جابر].

رعاية المرأة مُدَّةَ الحمل

  • أرشدنا الشارع إلى التخفيف عن الحامل، والمحافظة على صحتها وراحتها بكل وسيلة ممكنة، فقال e: ((  إن الله وَضَع عن المسافر شَطْر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم  )) [أخرجه التـرمذي والنسائي].
  • وينبغي تمكين المرأة الحامل ووليدها من الحصول على الاستشارة الطبية والرعاية الصحية المجانية أثناء الحمل وأثناء الولادة وفي ما بعد الولادة في أي منشأة صحية؛ فذلك يدخل تحت قول النبي e: ((استوصوا بالنساء خيراً)) [رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]، وقوله e: ((فاتـَّقوا الله في النساء)) [رواه مسلم عن عبد الله بن جابر]، وتتولَّى السلطة الصحية توفير اللقاحات الخاصة بالحوامل في جميع المنشآت الصحية، وتقدِّمها لهن مجاناً، التزاماً بقول النبي e: ((..فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيَّته)) [رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو].
  • وللمرأة الحامل الحق في الكشف الطبي الدوري خلال مُدَّةَ الحمل، وعلى زوجها إعانتها على ذلك التزاماً بقوله تعالى: ]وعاشروهنّ بالمعروف[ [سورة النساء: 19]. ولا يجوز لزوجها أو لأي من أوليائها أن يمنعها من إجراء الفحص الطبي أو مراجعة الطبيب المعالج، فإن فَعَلَ، فذلك نوعٌ من الضرار يقع تحت طائلة العقوبة. وقد قال تعالى: ]ولا تُضَارُّوهنّ[ [سورة الطلاق: 6]، وقال النبي e: ((  لا ضَرَرَ ولا ضرار  )) [رواه الدارقطني عن أبي سيد وصححه الحاكم على شرط مسلم].

رعاية المرأة في فتـرة الولادة وما بعدها

  • يجب أن تتم جميع حالات الولادة في منشأة صحية، وتحت إشراف مقدِّم الخدمة المخوَّل بذلك، وتحدِّد السلطة الصحية حالات الولادة التي يجوز أن تتم في المنزل. كما تـتكفل الدولة بتوفير مولِّدة ماهرة (طبيبة، أو قابلة، أو قابلة مجتمع، أو جدة [دايَة] مدرَّبة تدريباً مناسباً)، واحدة على الأقل، لكل قرية وكل حي من أحياء الحَضَر. فذلك جزء من مسؤولية الراعي عن رعيَّته. ولا مِراءَ في أن جميع حالات الولادة القيصرية يجب أن تتم حصراً في المنشأة الصحية المجهَّزة لذلك.
  • وإذا كانت حالة الولادة من الحالات التي يُسمح بتوليدها في المنزل فعلى مقدِّم الخدمة الصحية الذي يقوم بالتوليد نقل الحالة إلى أقرب منشأة صحية في حالة حدوث نزف قبل الولادة أو أثناءها أو بعدها، أو غير ذلك من المضاعفات الخطيرة، وعليه تبصير الأشخاص الموجودين مع المرأة بالخطر الذي تتعرَّض له إذا لم يتم نقلها.
  • وينبغي تثقيف عامة الناس بما ينبغي أن يفعله من يكون مع المرأة إذا تعرَّضت لنزف أثناء الحمل أو قبل الولادة أو أثناءها أو بعدها، ولاسيّما نقل المرأة إلى أقرب منشأة صحية فور حصول النزف، (( فالمسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يُسْلِمُه ولا يخذله )) [رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر ومسلم عن أبي هريرة]، وهذا التثقيف الصحي نوع من الأمر بالمعروف، الذي هو صفة طبيعية من صفات المؤمنين.

 

مركز منظمة الصحة العالمية الإقليمي

واصَلَ المكتب الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية اهتمامه بالمرأة ودورها المحوري في الصحة والتنمية، متجاوباً في ذلك مع القِيَم الروحية للإقليم التي تعتبر المرأة راعية تضطلع بالرعاية الصحية لأسرتها وبيئتها، وتأمر بالمعروف وهو كل ما فيه مصلحة للمجتمع بما في ذلك إصلاح البيئة، وتنهى عن المنكر وهو كل ما فيه مفسدة للمجتمع بما في ذلك إفساد البيئة·

وقد تجلى ذلك في سياسات البرنامج الإقليمي لصحة البيئة في إقليم منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، ومركزه الإقليمي لأنشطة صحة البيئة في عمان بالأردن· ويجري حالياً تنفيذ الأنشطة الرامية لتحقيق أحد أهداف الاستراتيجية الإقليمية للصحة والبيئة وهو التأكيد على دور المرأة في كل النواحي المتعلقة بالصحة والبيئة والتنمية·

وقد قام المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في العام 7991 بتقديم مبلغ خمسين ألف دولار أمريكي لدعم مركز الأميرة بسمة لشؤون المرأة· كما قام المركز الإقليمي لأنشطة صحة البيئة بدراسة احتياجات هذا المركز وتقديم المشورة التقنية في مجال إدارة المعلومات والأجهزة التقنية·

كذلك شرع المركز بالتعاون مع برنامج الخليج العربي لمنظمات الأمم المتحدة الإنمائية في تنفيذ المشروعين الإقليميين التاليين:

(1)  التدريب في مجال الصحة والبيئة مع التركيز على صحة الأمهات والأطفال؛

(2)  مراقبة جودة المياه ودور المرأة في الإصحاح·

وسيقوم المركز بتنفيذ العديد من الأنشطة مثل التدريب الإقليمي والوطني، وإنتاج مواد التوعية وتنفيذ مهمات التعاون التقني·

وفي سبيل زيادة الوعي البيئي بين النساء في الأردن، قام المركز بالتعاون مع جمعية المرأة العربية، بعقد العديد من الحلقات العملية التدريبية، وقد تم من خلال هذه الحلقات، تنمية قدرات ما يزيد على خمس وسبعين مدرِّبة عاملة في المناطق الفقيرة في عمّان في مجال الاتصال والتوعية البيئية·

والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى