مقالات

أصل أقوال النبي وأفعاله حجة شرعية

الأصل في أقوال النبي محمد  وأفعاله وتقريراته أنها حجَّة شرعية على عباد الله، إن ثبتت بطريق صحيح.

أما الأمور الدنيوية، فقد اختلف العلماء في ذلك على مذهبين:

  1. أنه  معصوم من خطأ الاعتقاد في أمور الدنيا، ولم نجد أحداً من قدماء الأصوليِّـين صرَّح بمثل هذا المذهب. ولكنه لازم لمن جعل منهم جميع أقواله وأفعاله  حجَّة حتى في شؤون الطب والزراعة.
  2. أنه لا يجب أن يكون اعتقاده  في أمور الدنيا مطابقاً للواقع، بل قد يقع الخطأ في ذلك الاعتقاد قليلاً أو كثيراً، بل قد يصيب غيره حيث يخطئ هو .

 

وقـد صرَّح بأصـل هذا المذهـب، دون تفاصيلـه، القاضي عيـاض ]في الشفـاء في حقوق المصطفى: [2/178]، والقاضي عبد الجبار الهمداني المعتزلي ]في المغني في أبواب التوحيد والعدل: 17/256، حيث جعل من شرط الاقتداء بفعل النبي : (( أن يكون مما له مدخل في الشرع، ولا يكون مما يفعل للمنافع والمضار )): 17/269، والشيخ وليّ الله الدهلوي ]في حجة الله البالغة: 1/272، والشيخ محمد أبو زهرة ]في تاريخ المذاهب الفقهية: 10، والشيخ عبد الوهاب خلاف ]في أصول الفقه: باب السنة، والشيخ عبد الجليل عيسى ]في اجتهاد الرسول ، والشيخ فتحي عثمان ]في الفكر القانوني الإسلامي بين أصول الشريعة وتراث الفقه، مكتبة وهبة بالقاهرة: 78.

 

ويحتج لهذا المذهب بأدلة منها:

أولاً: حديث تأبير النخل. ففي صحيح مسلم عن رافع بن خديج، أنه قال: (( قدم النبي  المدينة، فإذا هم يَأبْرونَ النخل – يقول: يلقّحون النخل – فقال: ما تصنعونَ؟ قالوا: كنّا نصنعه. قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً. فتركوه، فَنَفَضَتْ، فذكروا ذلك له، فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر )).

وفي رواية طلحة، قال  (( ما أظن ذلك يغني شيئاً )) فأخبروا بذلك، فتركوه. فأخبر رسول الله  بذلك. فقال: (( إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله )).

وفي رواية عائشة وأنس: (( أن النبي  مرّ بقوم يلقحون، فقال: لو لم يفعلوا لصلح. قال: فخرج شِيصـاً، فمرّ بهم، فقال: ما لنخْلكُم؟ قالوا: قلت كـذا وكـذا. قال: أنتم أَعلم بدنيـاكم ]صحيح مسلم: 4/1835، ومسند الإمام أحمد: 3/152[.

وشبيه به حديث ابن عباس في قصة الخرص، وفيه: فقال رسول الله  (( إنما أنا بشر، فما حدثتكم عن الله فهو حق، وما قلت فيه من قِبَل نفسي فإنما أنا بشرٌ أخطئ وأصيب )) ذكره القاضي عياض في (( الشفاء )): 2/201، ولم يعزه .

 

ثانياً: حديث أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي  قال: (( إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجَّته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار ))  ]رواه البخاري، فتح: 13/157، وأصله عند مسلم وأبي داود[.

وفي رواية الزهري للحديث المذكور (( إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسبُ أنه صادق، فأقضي له بذلك ]البخاري، فتح: 13/172[.

والصحيح من هذين المذهبَيْن أن أقوال النبي  وأفعاله في الشؤون الدنيوية ليست تشريعاً، وذلك لأجل الأدلة الآتية:

  • قولـه تعالي: ]قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ[ وقوله: ]قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً[ وقد تكرَّر التأكيد في الكتاب على بشرية الرسول وأنه لا يعلم الغيب وأنه ليس مَلَكَاً.
  • قولـه (( إنما أنا بشر، فإذا أمرتكم بأمر من دينكم فاقبلوه، وإذا أمرتكم بشيء من دنياكم فإنما أنا بشر )) وفي رواية: (( أنتم أعلم بدنياكم )).

وبهذا الحديث، برواياته المختلفة، يؤصِّل النبي  أصلاً عظيماً في الشريعة، ويبيِّنه لنا، ويعلن لنا أن بعض أفراد الأمة قد يكونون أحياناً أعلم منه  بما يتقنونه من أمور الدنيا، والمقصود أهل الخبرة في كل فن وصناعة، وأنه لا داعي  شرعاً لالتفاتهم إلى ما يصدر عنه  من ذلك، إلا كما يلتفتون إلى قول غيره من الناس.

  • ما ذكر ابن إسحاق في سيرته في سياق أخبار غزوة بدر، قال: (( حُدِّثتُ عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحُباب بن المنذر قال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكَهُ الله، ليس لنا أن نتقدَّمه، ولا نتأخَّر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فنـنـزله، ثم نغوِّر ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل، فنشربُ ولا يشربون. فقال رسول الله : لقد أشرت بالرأي )) ]السيرة النبوية لابن هشام، وعليها (( الروض الأنف )) للسهيلي: 5/97[.
  • ما ورد في الحديث (( أن نفراً دخلوا على زيد بن ثابت، فقالوا له: حدِّثنا أحاديث رسول الله ، قال: كنت جاره، فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إليَّ فكتبته له. فكان إذا ذكرْنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، فكلَّ هذا أحدثكم عن رسول الله )) ]ذكره الدهلوي في (( حجَّة الله البالغة )): 1/272، ولم يعزه[.
  • ما ورد عن هشام بن عروة، أن عروة بن الزبير كان يقول لعائشة (يا أماه، لا أعْجب من فهمك، أقول: زوجةُ رسول الله وبنت أبي بكر. ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس، أقول: ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس، أو من أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب، كيف هو ومن أين هو؟ قال: فضربتْ على منكبه، وقالت: أي عُرَيَّة! إن رسول الله  كان يَسْقَمُ عند آخر عمره. فكانت تَقْدَم عليه وفود العرب من كل وجه، فَيَنْعُتون له الأنعات، وكنت أعالجها له ]رواه أحمد في المسند: 6/67.

 

قال ابن خلدون: (( الطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل (يعني طب البادية المبني على تجارب قاصرة) وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عادياً للعرب، ووقع في ذكر أحوال النبي  من نوع ذكر أحواله التي هي عادةً وجبلة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإن  إنما بعث ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديّات. وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم). ثم قال ابن خلدون: (( فلا ينبغي أن يحمل شيئ من الطب الذي وقع في الأحاديث المنقولة على أنه مشروع، فليس هناك ما يدل عليه، اللهم إلا إذا استعمل على جهة التـبرُّك وصدق العقد الإيماني، فيكون له أثر عظيم النفع، وليس ذلك من الطب المزاجي ]مقدمة ابن خلدون: 493[.

وذكر القاضي عياض في كتابه ]الشفاء في حقوق المصطفى[ حديث تأبير النخل، وحديث الخرص، ثم قال: (( وهذا على ما قررناه فيما قاله من قِبَل نفسه في أمور الدنيا وظنِّه من أحوالها، لا ما قاله من قِبَل نفسه واجتهاده في شرع شرعه وسُنَّة سنَّها )). ثم ذكر القاضي عياض حديث ابن إسحاق في قصة غزوة بدر، وما أشار به الحباب بن المنذر على النبي ، وأنه قال: (( أشرت بالرأي )) وفعل ما قاله الحباب.

وقد قال الله تعالى له : “وشاورهم في الأمر”.

وأراد مصالحة بعض أعدائه على ثلث ثمار المدينة، فاستشار الأنصار، فلما أخبروه برأيهم رجع عن رأيه. قال القاضي عياض: (( فمثل هذا وأشباهُهُ من أمور الدنيا التي لا مدخل فيها لعلم ديانة ولا اعتقادها ولا تعليمها يجوز عليه فيها ما ذكرناه، إذ ليس في هذا كله نقيصةٌ ولا مَحَطة، وإنما هي أمور اعتيادية يعرفها من جرَّبها وجعلها همُّه وشغل نفسه بها، والنبي  مشحون القلب بمعرفــة الربوبيـة، ملآن الجوانح بعلوم الشريعـة، مُقَيَّدُ البــال بمصــالح الأمـة الدينيـة والدنيويـة. الشفاء: ج 2، ص 200.

 

وقال شاه ولي الله الدهلوي: (( باب بيان أقسام علوم النبي : أعلم أن ما روي عن النبي ودُوِّن في كتب الحديث على قسمَيْن:

القسم الأول: ما سبيله سبيل تبليغ الرسالة، وفيه قوله تعالى: ]وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا[ فمنه علوم المعاد، وعجائب الملكوت، ومنه شرائع وضبطٌ للعبادات والارتفاقات… إلخ.

والقسم الثاني: ما ليس من باب تبليغ الرسالة، وفيه قوله  (( إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر )) وقوله  في قصة تأبير النخل ((إني إنما ظنـنت ظناً فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله )) ثم قال: (( فمنه الطب، ومستنده التجربة ))، ومنه ما فعله  على سبيل العادة دون العبادة ]حجَّة الله البالغة: 1/269، 270[.

أما الاحتجاج في هذا الأمر بقول الله تعالي: ]وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى[ فغير وارد، فإن الآية وإن كانت من حيث الصيغة عامة، إلا أن المراد بها ما ينطق به من القرآن خاصة، بدليل أنه  تصرف في أمور عاتبه الله تعالى عليها، كقوله تعالى: ]عبس وتولى[ وقولـه: ]عفا الله عنك لم أذنت لهم[، وقولـه تعالى: ]ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض[، وقوله تعالي: ]يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك[ وقد قال  في حديث الناقة التي ضلَّتْ (( إني لا أعلم إلا ما علمني الله )).

 

والأمور الدنيوية التي هذا سبيلها، ووردت فيها أحاديث نبوية، هي ثلاثة أنواع:

النوع الأول: الأمور الغائبة عنه  مما شأنه أن لا يعرفه الإنسان المعتاد بمجرَّد الفكر، فهذا من علم الغيب، لا يعلمه إلا الله، لقولـه تعالي: ]قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب[ فلا يعلم النبي  مثل ذلك إلا بطرق المعرفة المعتادة، ما لم يخبرنا أن الله أطلعه عليه، أو أوحي إليه به.

النوع الثاني: أمور البشر وأسرارهم، وما في قلوبهم، وما عملوا في حال غيبتهم، فلا يعلم النبي  ذلك بغير إطلاع خاص من الله تعالى. أما ما يعتقده في أمور البشر الجارية على يديه وقضاياهم، فكذلك، لقوله  (( إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجَّته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيء فلا يأخذ منه شيئاً، فإنما أقطع له قطعة من النار ))، وكان يُجْري أحكامه  على الظاهر وموجب غلبة الظن، بالشاهدين، أو يمين الحالف، أو مراعاة الأشبه، أو معرفة القرائن ]الشفاء للقاضي عياض: 203[.

النوع الثالث: العلوم البحتة والعلوم التطبيقية، وهي ما يفعله الإنسان بقصد تحصيل نفع في البدن أو المال، له أو لغيره، أو دفع ضرر كذلك، أو يدبِّر تدبيراً في شأنه خاصة، أو شؤون المسلمين عامة، لغرض التوصُّل إلى جلب نفع أو دفع ضرر.

ويشمل هذا النوع الأضرب التالية:

  1. الأمور الطبية.
  2. شؤون الزراعة.
  3. الصناعة.
  4. التجارة.
  5. أنواع أخرى من المكاسب كرعي الغنم، العمل للغير بأجر.
  6. التدابير الفنية في الحرب.
  7. التدابير في الإدارة المدنية؛ عبد الحي الكتاني، (( التراتيب الإدارية )) .

فهذه الأضرب وأمثالها وقع من النبي  الكثير من أفرادها، وتكلَّم هو  في شؤونها.

 

والنظر في الأحكام التي يمكن أن تدل عليها مثل تلك الأحاديث من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أصل الطب والزراعة والصناعة والتجارة والقصد إلى تحصيل المكاسب، والسعي لتحقيق التدابير المدنية والعسكرية المناسبة، ونحو ذلك: تعتبر أقواله  في ذلك حجَّة يجب اعتقادها واتِّباعها. ويستفاد من الأحاديث القولية والفعلية في ذلك إباحته، وأنه لا يخالف العقيدة ولا الشريعة. وقد يرتقي إلى درجة الاستحباب أو الوجوب، بحسب الأحوال الداعية إليه، ودلالة نُطْقِهِ في ذلك.

الوجه الثاني: إرشادات وتوجيهات شرعية في ممارسة تلك الأعمال، فهذا شرع يؤخذ كما يؤخذ غيره من الشرع في العبادات ونحوها.

الوجه الثالث: الأمر الذي عمله بخصوصه، هو مباح له، وقد يكون مستحباً له، أو واجباً عليه، لاعتقاده  أنه هو المؤدِّي إلى غرض مستحب أو واجب.

وهي أقوال وأفعال مبنية في الأصل على التجارب الشخصية للنبي  من حيث هو بشر، وما قد سمع من أهل التجربة والمعرفة. وكثيراً ما تكون تلك المعرفة والتجربة صحيحة، ولكن احتمال الخطأ قائم، كما قال  (( إنما أنا بشر أخطئ وأصيب )).

 

الفئة الثانية: من الأحاديث الواردة في شأن الطب.

وهي أحاديث فيها توجيهات شرعية متعلقة بعملية التداوي وشؤون المرضى:

فمن ذلك حديث البخاري عن الصحابية الرُّبَيِّع بنت معوِّذ، قالت (( كنا نغزو مع رسول الله  نسقي القوم، ونخدمهم، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة )) وفي رواية (( ونداوي الجرحى )).

ففيه جواز مداواة المرأة للحرجى من الرجال. قال ابن حجر: يجوز عند الضرورة، وهذا الذي قاله فيه نظر، فليس في الحديث إشارة إلى أي ضرورة، بل هي مجرَّد الحاجة إلى العلاج، والحاجة أخف من الضرورة، وقد كان يمكن تفريغ بعض الرجال لذلك العمل، لو كان في الأصل محرَّماً لا يحل إلا للضرورة.

وقد ورد أن رفيدة الأسلمية كان لها خيمة بالمسجد تداوي فيها الجرحى، فهذا ينفي وجوب الاقتصار على قدر الضرورة.

ومنها أحاديث الأمر بعيادة المرضى.

 

ولابد لاعتبار أيٍّ من الأحاديث التي من هذه الفئة الأخيرة حجَّة في باب الطب من أحد أمرَيْن:

الأول: أن يكون الحديث على درجة عالية من الصحة فلا يكفي أن يكون الحديث حسناً أو صحيحاً محتملاً للوهم، فلا يعتبر حجَّة من الناحية الطبية الصِّرفة حديثٌ ما لم يكن ثابتاً على سبيل القطع، وهو الحديث المتواتر، أو على سبيل شبه القطع، وهو ما ورد من طريقَيْن على الأقل، منفصلَيْن، من أول السند إلى آخره، بحيث يعرف أنه لم ينفرد برواية الحديث راوٍ واحد في أي طبقة من طبقات السند، حتى ولو كان صحابياً، لاحتمال الوهم والغلط، مع اشتراط كَوْن كلٍّ من الروايتَيْن أو الروايات صحيحة لذاتها، طبقاً لما هو معمول به في علم مصطلح الحديث.

الثاني: أن يخضع مضمون الحديث للتجارب الطبية تحت نظر الاختصاصيِّـين. فإن ثبتت صلاحيته كفي، وتكون التجارب هي الحجَّة في ذلك.

ثم إن الصحابة الذين تركوا تأبير النخل إنما تركوه تصديقاً لرسول الله  وإيماناً به، وعملاً بقولـه، ومع ذلك خرج ثمره ذلك العام شيصاً، أي تالفاً غير صالح، ولم يكن إيمانهم وتصديقهم كافياً ليصلح به الثمر، لأنه ليس في الحقيقة سبباً لذلك. ولذلك فإن النبي  صحَّح لهم اعتقادهم، وأعلمهم أنهم ما كان لهم أن يأخذوا بقوله في ذلك، فإن ذلك من شؤون الدنيا وهم بها أعلم. فكذلك هذه الأمور الطبية الصِّرفة، هي من صميم الأمور الدنيوية، لا يكفي فيها مجرَّد الإيمان والتصديق مع كَوْنها ليست أسباباً في حقيقة الأمر.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى