مقالات

حكم قصر الصلاة أثناء السفر

وقد سار الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم على نهج النبي r. ومن ذلك ما ورد أن رسول الله r قدَّر الدية من الإبل وجعلها على عاقلة الجاني. فلما ولي الفاروق رضي الله عنه رأى أن ليس كل الناس أموالهم إبلاً، وأن إلزامهم بدفع الدية إبلاً يَلْحَقُهم من أجله العَنَتُ والضيق، فما كان منه إلا أن قَوَّمَ الديةَ على أهل القرى، فَجَعَلَها على أهل الذهب ألفَيْ دينار، وعلى أهل الوَرِق [الفضة] اثني عشر ألف درهم.

ومن ذلك أن الله شَرَعَ قصر الصلاة في السفر، وقَصَرَ رسول الله r والخليفتان من بعده، فلما كان زمن عثمان t أتمَّ الصلاة بـمِنَى ثم خطب الناس فقال: ((  أيها الناس ! إن السُنَّةَ سُنَّةُ رسول الله r وسُنَّةُ صاحبَيْه، ولكن حدث العام من الناس، فخفت أن تستنُّوا  )). وذلك أنَّ أعرابياً ناداه في مسجد الخيف بـمِنَى: يا أمير المؤمنين مازلتُ أصلِّيها ركعتَيْن منذ رأيتُكَ عامَ الأوَّل صلَّيْتَها ركعتَيْن، فخشي عثمان أن يظن جُهَّال الناس الصلاةَ ركعتَيْن.

وفي رواية أنه لما قيل لـه في ذلك، قال: ((  بلى ولكنِّي إمام الناس، فينظر إليّ الأعرابُ وأهلُ البادية أُصَلِّي ركعتَيْن فيقولون: هكذا فُرِضَتْ  )). وهكذا فقد تـرك t القَصْرَ المشروع، لما يتـرتب عليه من مَفْسَدَةِ تغيـير فرائض الله، لما أخبره ذلك الجاهل بأنه داوم على القصر من غير سفر، ظناً منه أن هذا فرضها، خصوصاً وقد كثر الأعراب عامَئِذٍ.

 

ومن ذلك ((  أن غِلْماناً لحاطب بن أبي بَلْتَعَة، سرقوا ناقةً لرجل من مُزَيْنة، فانتحروها. فَرَفَعَ ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمر عمر كُثَيِّر بن الصلت أن يقطع أيديهم، ثم قال عمر لحاطب: أراك تجيعهم. ثم قال: والله لأغرمنَّك غُرْماً يشقُّ عليك !. ثم قال للمزني: كما ثمن ناقتك؟ فقال المزني: قد كنت والله أمنعها من أربعمئة درهم، فقال عمر: أعطه ثمانمئة
درهم  )).

ومن ذلك قول عمر لأبي بكر رضي الله عنهما في مسألة جمع القرآن كما رواه البخاري لما قال لـه أبو بكر: كيف تفعل فعلاً لم يفعله رسول الله r؟ فقال: والله إنه خير ومصلحة الإسلام، فلما اقتنع أبو بكر بخيريَّته أمر زيد ابن ثابت بالجمع، فقال لـه الآخر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟ فأجاب بأنه خير. ووجه المصلحة فيه أن القرآن كان مكتوباً كلَّه ولكنه مفرق، وكان المعتمد عليه حينئذ ما في صدور الرجال، فلما قُتِل عددٌ كبير من القرَّاء في وقعة اليمامة رأوا أنهم لو تـركوه ضاع بموت القُرَّاء.

ومن ذلك زيادة عثمان t الأذانَ الثالثَ على الزوراء، ولم يكن في زمن رسول الله r، لما كثر الناس، وعلم أن الأذان ما شرع إلا لإعلامهم بالصلاة، فلو اقتصر على ما كان قبله من الأذان بين يدي الخطيب لما أدى الأذانُ المقصودَ منه، ولفاتـت الصلاة على مَنْ كان في مكان بعيد. ووافقه الصحابة على ذلك.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى