مقالات

تعليم وتدريب القوى العاملة في المجال الصحي

(‌أ)  ينبغي أن تتوافر الأمور التالية في تعليم وتدريب القوى العاملة الصحية، أيّاً كانت هذه القوى العاملة، وأينما كان هذا التدريب:

  • انتقاء المرشحين للتدريب بمزيد من العناية، وذلك بالنسبة لجميع الفئات بجميع المستويات، مع بذل مزيد من الجهد لتقيـيم الحوافز والتحصيل العلمي. وينبغي إجراء دراسات لاكتشاف أفضل الإجراءات والمعايـير التي تسمح بانتقاء العاملين الصحيِّـين الناجحين المستعدّين للخدمة. وفي حالة التمريض ينبغي بذل كل جهد ممكن من أجل رفع المستوى التعليمي للطالبات عند الالتحاق بالدراسة.
  • زيادة مشتـركة المجتمع في انتقاء العاملين الصحيِّـين وتدريبهم ومراقبتهم. ويمكن إجراء الكثير من التدريب بالقرب من المنزل، وهذا يساعد بشكل خاص على جعل التمريض مهنة أكثر جاذبية، وتحسين توافر الممرضات، وزيادة ملاءمة التدريب للاحتياجات المحلية.
  • نظراً لأن العاملين الصحيِّـين يحتاجون إلى العمل معاً في فريق حتى تتحقَّق لهم أقصى فعالية ممكنة، فلابد من أن يتعلموا كفريق وأن يتقاسموا مجالات تدريبهم.
  • نظراً لأن القدرة على مواصلة التعلُّم بعد تلقِّي التدريب الأساسي هامة جداً لأي من العاملين الصحيِّـين، فإنه ينبغي بذل كل جهد ممكن لمساعدته على تحقيق ذلك أثناء التدريب. ومن الطرق الفعَّالة للقيام بذلك زيادة استخدام التعلُّم بحل المشكلات. وفي بعض المؤسسات يقوم التدريب برمته على هذا الأسلوب أو يكاد.
  • أن يتم مبكراً وباستمرار احتكاك الطلاب بالعائلات والمجتمعات، مع إتاحة فرص متوازنة للتدريب بجميع مستويات الرعاية، سواء منها الأولية أو الثانوية أو الثالثية، طبقاً لأسلوب الرعاية الصحية الأولية. وهذا مهم أيضاً لطلاب التمريض أهميته لطلاب الطب، وهو يتيح للعاملين في مجال التمريض فرصة أكبر لتقدير المجتمع لهم، ويتيح لهم دوراً قيادياً في مستوى الرعاية الصحية الأولية.
  • أن تُـتاح مواد التعلُّم والمواد المرجعية باللغة العربية في جميع مراحل التدريب ثم أثناء العمل الميداني.
  • أن تكون أساليب التقيـيم فعَّالة ومناسبة، وألا يقتصر استخدامها على اختبار الطلاب، بل يجب أن تستخدم أيضاً في قياس فعالية العملية التعليمية كأداة للتعلُّم.
  • توفير التعليم المستمر لكل فرد من العاملين الصحيِّـين، بغض النظر عن الفئة التي ينتمي إليها، على أن يتم تحديد برامج ذلك التعليم بحسب حاجات خدمات الرعاية الصحية.
  • ضمان التنسيق بين المسؤولية عن تخطيط وإدارة الخدمات الصحية وبين المسؤولين عن توفير التدريب. ويتضمَّن هذا التنسيق ما يلي:
  • اشتـراك العاملين بالخدمات الصحية في تصميم المناهج والمقررات الدراسية؛

 

(‌ب)   اشتـراك العاملين بالخدمات الصحية في العملية التعليمية كلما كان ذلك مناسباً، بما في ذلك التدريس والتقيـيم؛

  • المعاونة من قِبَل الخدمات الصحية بتوفير تسهيلاتها الخاصة بالتعليم والتعلُّم؛
  • إسهام أعضاء هيئات التدريس بالجامعات في التخطيط لاحتياجات الخدمات الصحية وتوفير الرعاية الصحية، وإجراء بحوث الخدمات الصحية.

 

تعليم العلوم الصحية والطبية باللغة العربية

اللغة هي وعاء العلم والمعرفة، ووسيلة التعليم والتعلّم، وأداة التفاهم والتواصل بين الناس· والثقافة هي ذلك الجو الاجتماعي الخاص الذي تتنامى فيه شخصية الفرد والجماعة على نحو يميزها عن سائر الثقافات· جو يتألف من قِيَم وأفكار وأخلاق وأسلوب حياة، ويشارك في إغنائه كل فرد وكل جماعة في إطار المجتمع· ولقد أصبح من المسلّمات الثابتة على صعيد البحث التربوي والعلمي أن المعلّم يكون أعظم قدرة على العطاء، ويكون المتعلم أكثر تفتحاً للتحصيل، إذا ما تواصل الاثنان باللغة الطبيعية التي يعيشان في سياقها ويتعاملان في إطارها وتنمو مداركهما في ظلالها·

هذه مفاهيم ثابتة في كل ثقافات العالم لا تقبل الجدل· وبناء عليها تضمنت دساتير البلدان العربية جميعها أن لغة التعليم في مؤسساتها الوطنية هي اللغة العربية· ونصت على هذا المبدأ أيضاً قوانين تنظيم الجامعات في الوطن العربي· فالتعليم باللغة القومية إذن هو الأصل الذي تقضى به الدساتير والقوانين· واللجوء إلى لغة أجنبية هو الاستثناء الذي لا محل له إلا في حالات خاصة ومحددة·

وفي مجال التعليم الصحي والطبي كانت البداية المبكرة في عهد محمد علي باشا الكبير والي مصر حين أنشأ أول مدرسة للطب في أبو زعبل عام 7281 وقرر أن يكون التعليم فيها باللغة العربية· ولما كان الأساتذة والمعلمون في البداية من الأجانب فقد استعانت الدولة يومئذ بعديد من المترجمين لنقل المعلومات إلى اللغة العربية، وعديد من رجال الأزهر الشريف ليصوغوا هذه المترجمات في لغة عربية قويمة· واستمر التعليم الطبي في مصر باللغة العربية قرابة سبعين عاماً أثمرت باكورة الأطباء العرب والمؤلفات والمصطلحات العربية التي لاتزال تعتبر من الأسس الوطيدة لحركة التعريب الحديثة في الوطن العربي·

ثم جاء الاحتلال البريطاني وعمل على التحول من اللغة العربية إلى الإنكليزية، وفقاً للسياسات الاستعمارية القديمة·

وقبل ربع قرن تقريباً بدأت مجموعة الدول العربية المسيرة الراهنة على طريق التعريب بأن عملت على إدخال اللغة العربية كلغة عمل في منظمة الصحة العالمية بالإضافة إلى كونها لغة رسمية، ورحبت بذلك جمعية الصحة العالمية المنعقدة في جنيف في أيار/مايو 5791 آخذة في اعتبارها إسهام اللغة العربية في تطور الحضارة الإنسانية وأثرها في تقدُّم الطب والعلوم· ومنذ ذلك الحين أنشىء البرنامج العربي للمطبوعات وأصدرت منظمة الصحة العالمية في إطاره مئات من الكتب والمراجع والتقارير باللغة العربية، ولاتزال·

بعد ذلك توالت الأحداث، فأصدر مجلس وزراء الصحة العرب واتحاد الأطباء العرب ومؤتمرات وزراء التعليم العرب، عديداً من القرارات التي تعزز مسيرة تعريب العلوم بصورة عامة، والعلوم الصحية والطبية بصورة خاصة·

ومن معالم هذه المسيرة إصدار الطبعة الثالثة للمعجم الطبي الموحّد باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية في عام 7891 من قِبَل مجلس وزراء الصحة العرب ومنظمة الصحة العالمية واتحاد الأطباء العرب والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم· ويعتبر هذا المعجم خطوة هامة على طريق توحيد المصطلحات الطبية العربية· ويجرى الآن إعداد الطبعة الرابعة المنقّحة والمزيدة من هذا المعجم التي ستصل بمصطلحاته إلى مئة وخمسين ألف مصطلح إن شاء الله·

ولقد بدأ التدريس باللغة العربية يتزايد وينتشر في كثير من مؤسسات التعليم الصحي والطبي في البلدان العربية، وعقدت مؤتمرات مهنية عديدة في الوطن العربي لمناقشة قضية التعريب من مختلف زواياها· وجدير بالذكر أن هناك إجماعاً على أن مسيرة التعريب لابد أن تصل إلى منتهاها، ولكن الإعداد لها يجب أن يكون دقيقاً وهادفاً وموضوعياً، وأن تكون الخطوات التنفيذية متأنية ومتتابعة في ما يتعلق بإعداد المعلم والطالب والمرجع والمصطلح· ومما يثلج الصدور أن هناك جهوداً تبذل الآن في هذه المجالات جميعها، وإن كانت بدرجات متفاوتة بطبيعة الحال، في سائر أنحاء الوطن العربي·

وعلى الله قصد السبيل.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى