مقالات

مفهوم الشوروية أو لا مركزية السلطة

على الرغم من أن مفهوم “الشُّورَويَّة” لم يكن معروفاً على الساحة السياسية منذ عشر سنوات، إلا أنه لا يكاد ينجو من تأثيره في الوقت الحاضر، أيُّ بُعْد من أبعاد الحياة العامَّة. فالآمال معقودة على “الشُّورَويَّة” في السَّهَر على شؤون الكوكب، وإلقاء نظرة فاحصة على الأعمال التجارية، ودفع مسيرة التنمية المحلية بشكل متناسق، والعمل على أن تكون الخدمات العمومية كفئة تستجيب لتوقعات مستخدِميها. أو قُلْ بعبارة أخرى: إيجاد حلول لجميع مشكلات العالم!!

 

ولكن ما هو مفهوم “الشُّورَويَّة” على وجه التحديد؟

يقـول جـان كويمان Jan Kooiman، أحـد أوائل الذيـن اقتـرحوا هذا المصطلـح في بدايـات التسعينـات، إن “الشُّورَويَّة” تعني نموذجاً تصدر فيه القرارات من خلال التشاور والتفاعل المتبادلَ بين جميع الأطراف ذات العلاقة. فالشُّورَويَّة إذن هي نموذج تكون السلطة فيه لامركزية وأفقية horizontal أي يكون جميع ذوي العلاقة (من السلطات العمومية، والجمعيَّات الأهلية، والمنشآت التجارية) في مستوى واحد. وهي بذلك تتناقض مع نموذج “الحكومة” government، حيث تكون السلطة عمودية (رأسية) vertical بدل أن تكون أفقية، وحيث تـتمركز هذه السلطة في يد طرف واحد هو الدولة state فهي التي تحدد الخيارات الجماعية وتضعها موضع التنفيذ.

وبذلك تمثِّل “الشُّورَويَّة” بنية مهجَّنة إن صحّ التعبير، يتزاوج فيها العام بالخاص، حتى تكاد تَنْمحي الحدود الفاصلة بينهما. وبذلك يكون على الدولة أن تُؤْثِرَ التحفيز على الإيجاب، وأن تفضِّل مدوَّنة السلوكيات code of conduct على القانون.

إن هذا التزايد المحتمل في استعمال مصطلح “الشُّورَويَّة”، يندرج في سياق عولمة الاقتصادات، وتأكيد دور الأطراف اللاحكومية. ولنتّخذ مثالاً على ذلك تعبير “الشُّورَويَّة العالمية” global governance. إذ كيف نستطيع تطويق التدفقات المالية العالمية أو مقاومة الاحتـرار العالمي في الوقت الذي تتخطَّى فيه أمثال هذه التحدِّيات نطاق صلاحيات الدول؟ ثم إن ما يدور من مناقشات في إطار المنظمات العالمية مثل منظمة التجارة العالمية، حول التشريعات التي تتخطَّى النطاق الوطني تعتبر غير كافية نظراً لأن هذه المؤسسات فوقَ – الوطنية supranational تتعرض هي نفسها للمنافسة من قِبَل شبكات واسعة من الأطراف العاملة في القطاع الخاص تقوم بتحديد المعايـير. فأمثال هذه الشركات الخاصة أو الجمعيات المهنية هي التي تقوم بدور حاسم في صياغة معايـير الـمُساءَلة العالمية أو في صياغة قواعد جديدة للحيطة في القطاع المصرفي. أما في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، أو حماية الحقوق الخاصة بالبيئة أو الصحة العمومية، فيتعيَّن على الدولة أيضاً أن تأخذ في اعتبارها الأعمال والخبرات والمقتـرحات التي تقدِّمها المنظمات اللاحكومية NGO’s.

بذلك يكون مفهوم “الشُّورَويَّة” governance قد ساهم في التـرويج لنموذج جديد من ممارسة السلطة، يهدف إلى مواجهة ما يطرأ من تحولات وتغيرات حقيقية. ولكنه مع ذلك يبقى موضع انتقاد، لأنه – على سبيل المثال – يعطي انطباعاً خاطئاً بأن كل العاملين على الصعيد الاجتماعي يتمتعون بنفس صلاحيات التأثير على الخيارات الجماعية. كما أنه كذلك يبرِّر إضعاف القطاع العام من خلال تشجيع الدولة على إرخاء قبضتها على الشركات الخاصة والجمعيات مع أنها لا تتبع نفس الأهداف ولا تمتلك نفس الإمكانيات.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى